شجرة التفاح البري اللبناني ليست شجرة عادية بل هي -بجمالها
وثمارها- تحفة أبدعتها الطبيعة، وهوية نباتية فريدة
لطبيعة جبال شرق المتوسط؛ لها الفضل بكونها أصل للتفاح الحالي، أصّل منها مزارعوا
هذه المنطقة عبر آلاف السنين سلالات مختلفة من التفاح حتى وصل لى شكله الحالي. وهي
الآن مهددة بالإنقراض، حيث تناقصت أعدادها بشكل مخيف، وبات كثير من المزارعين
جاهلون بوجودها أو فائدتها حتى في موطنها الأصلي.
|
شجر تفاح بري من لبنان- خالد طالب |
في
ظل هذه المعطيات المخيبة، عثر كاتب المقال على عدد قليل من الأشجار أحدها تبدو
معمرة، اكتشاف مفرح يشوبه القلق من أن يصيبها ضرر بحريق أو منشار حطاب جاهل
.
ما هي أشجار التفاح البري اللبناني؟
هي نباتات
معمرة مثمرة، الإسم العلمي هو :malus trilobata تنمو على
شكل أشجار يصل إرتفاعها إلى 20 متراً موطنها الأصلي هو جبال لبنان وسلسلة الجبال
الساحلية السورية ووشمال فلسطين المحتلة وتركيا وهناك تقارير تذكر وجودها في
اليونان تنموا طبيعيا على ارتفاعات تتراوح مابين 1000 و 1500 متر ، أما حالياً فقد
ازدهرت التجارة بهذه الشجرة في أوربا وأمريكا وأصبحت زينة بهية للحدائق.
النسيان يهدد الشجرة في موطنها:
ساعد نمو التفاح البري اللبناني في الجبال في هذه
المنطقة الزاخرة بالنشاط البشري
في نأي كثير من أشجاره عن الاندثار، ولكن الإستهلاك الجائر لموارد الطبيعة بلغ حداً
لم تعد قادرة على تعويضه، وفي وقتنا الراهن؛ يتجه هذا النوع ليصبح منسياً في موطنه
الطبيعي، وقليلون من أبناء المنطقة من سمع
بوجوده، ومن يقطع أشجار الغابات؛ هو برغم درايته بالأنواع، إلا أن منشاره لايميز
بين ما هو نادر وما هو متوفر، فهو لا يثتثني حتى الأشجار ذات الأخشاب الرديئة
أحياناً، وقد وأتت النيران التي اجتاحت مناطق شاسعة من شرقي المتوسط في هذا العام
2020 على عدد كبير من منها. فيما لم تبدي البلدان التي تنموا أشجار هذا النوع في
أراضيها إهتماماً يذكر لحماية ما تبقى منها، فالرغم من وجود قوانين صارمة لحماية
الأشجار في هذه البلدان إلا أن ضغف سلطة الدولة وتردي وضع المؤسسات ساهم في تناقص
أعدادها وندرتها.
|
الشكل 1 شجرة تفاح بري لبناني معمرة - جبال الساحل السوري- مضر سليمة 2020 |
يدفعنا هذا الواقع المأسواي لهذه الشجرة للتذكير بالدور
الذي لعبة المزارعون الأوائل في هذه البقعة من العالم فقد كان لنشاط
المزارع المشرقي أثر كبير في ظهور سلالات جديدة لأنواع مختلفة من الكائنات البرية
من نباتات وحيوانات، بعد أن أستطاع تدجين
سلالات برية عدّة كانت أكثر فائدة له في صراعه لأجل البقاء، وكان لهذا التدجين
-رغم أهميته في بقاء الإنسان- دور في انقراض كثير من السلالات الأصيلة نذكر منها
"ثور الارخص" Bos
primigenius وهو أصل الابقار الحالية؛
الذي انقرض من العالم في القرن السابع عشر، وكذلك الحمار السوري البري Equus
hemionus ssp. hemippus"" "الجحش" الذي انقرض بدوره
في مطلع القرن العشرين، وبالرغم من أن قدرة النباتات على النجاة من الانقراض هي
اكبر من قدرة الحيوان، إلا أنواعا من الأشجار البرية باتت في عداد المهددة ومنها
التفاح البري اللبناني. ونخمن أن اختفاء عدد كبير من الحيوانات البرية بسبب الصيد
الجائر، لعب دورا في عدم قدرة هذة الأشجار على التجدد، فبعض الحيوانات والطيور التي
تساهم في نقل البذور لتزرع في مكان آخر؛ لم تعد موجودة، وبعضها الآخر هو في أدنى
مقدلاته، يتزامن ذلك مع انخفاض قدرة هذه
الشجرة على التجدد إلى سوياتها الدنيا. |
الشكل 2 جذع شجرة التفاح المعمرة- جبال الساحل السوري مضر سليمة 2020 |
البحث عن ناجين والعثور على شجرة معمرة:
قام كاتب المقال بالبحث عن معلومات منشورة تبلغ عن وجود
أشجار التفاح البري اللبناني في منطقة الليفانت، فكانت ضالتنا في لبنان من خلال
الناشط البيئي خالد طالب وهو مرشد جبلي محلي على درب الجبل اللبناني ومؤسس مجموعة
درب عكار:
أكد "طالب" مشاهدته خمسة أشجار بإرتفاعات من 8
ألى 5 متر. في منطقة تقارب مساحتها 20 كم مربع.
مركز حماية البيئة في الجامعة الأمريكية في بيروت وثق
هذه الشجرة في عدة أماكن في كتاب بعنوان "أشجار لبنان" تأليف مجموعة من الكتاب ومن
هذا الكتاب نقطتف: «أنواع
التفاح البري التي تتواجد في لبنان تقع على امتداد جبال لبنان الغربية وبعض منها
ما زال يعيش في اهدن وأرزعين زحلتا وسويسة. هذا وإن الإنتشار المحدود للتفاح البري
بات مهدداً بعد أن صنفه علماء النبات في خانة المهددة بالإنقراض. في محمية إهدن
الطبيعية تقع أشجار التفاح البري على الدرب الذي يمر عبر مقلب العزر»
|
إحدى الأوراق المتساقطة، وتظهر إحدى الأشجار في الخلف جبال الساحل السوري- مضر سليمة 2020 |
أما في سورية فقد أجرى كاتب المقال مسحاً ميدانياً لعدد
كبير من المناطق الجبلية ولم يستطع العثور على هذا النوع إلا في منطقة واحدة في
سلسلة الجبال الساحلية على ارتفاع يقارب 1000 متر. حصيلة المشاهدات هي فقط أربعة
أشجار في احدى غابات العذر. أحداها معمرة يزيد ارتفاعها عن 15 متراً وقطر الجذع
يقارب 30 سم (الشكل 1،2) وتبعد عنها بما يقارب مئة متر شجرة بقطر يقارب 15 سنتمتر
وارتفاع 8 أمتار، ومن بين المشاهدات أيضاً شجرة فتية لايزيد عمرها عن 3 سنوات، أما
الشجرة الرابعة فتبعد عن باقي الأشجار ما يقارب كيلو متر واحد
فلسطين والجولان السوري المحتلين: رغم عدم قدرتنا على
الوصول إلى معلومات من داخل الأراضي المحتلة، إلا أننا نخمن إختفاء هذه الشجرة من
تلك المناطق، ففي الجولان تُنشر معلومات كثيرة عن الغطاء النباتي هناك، ولم ننجح
بالعثور على أي منشور عن تلك الشجرة هناك، أما فلسطين، فلم يُذكر وجود هذه الشجرة
سوى في الشمال منها، ورغم ذلك، يبدو أن هذه الشجرة لم تعد موجودة هناك.
ولم يستطع كاتب المقال الوصول إلى معلومات منشورة جديدة
تبلغ بوجود هذه الشجرة سواء في سورية أو تركيا أو اليونان، رغم وجود بعض الأوراق
البحثية التي تحدثت عنها.
|
ثمار التفاح البري متساقطة على الأرض مضر سليمة 2020 |
إعادة التشجير 2020:
بعد الحرائق التي اجتاحت مناطق واسعة من الجبال الساحلية
في الليفانت وخاصة في سورية ظهرت دعوات
ومبادرات لإعادة تشير المناطق المتضررة، وللأسف لم تنل هذة الشجرة اهتاماً سوى من
أفراد قلّة متحمسين، ففي حين ظهرت مبادرات غير مدروسة للتشجير وفق أهواء واماني
كثير من عامة الناس التي لاتدرك أهمية خصوصية كل منطقة، دعى الطالب في كلية
العلوم "أحمد جليكو" في مقال نشره عبر الفيسبوك إلى التركيز
على زراعة هذه الشجرة موضحاً أهميتها وقلة
انتشارها.
المسح الذي
أجراه كاتب المقال لم ينجح في تسجيل الكثير من الأشجار الفتية، وقد بدأ بزراعة
الثمار التي جمعها معتمداً على طريقة الزراعة التي وردت في كتاب "أشجار لبنان"
ولتعم الفائدة نورد هنا المقطع الذي يشرح العملية:
«حبات
التفاح الصغيرة التي يبلغ قطرها سنمترين، لاتظهر بشكل بارز في الخريف إلا أنها
تسقط على الأرض المبللة أو المغطاة بالثلج في كانون الاول إن لم يتم قطفها ما أن
تنضج في الخريف . عندها يتم غمر البذور المستخرجة منها في الماء ل24 ساعة ومن ثم
تخزّن وهي رطبة في البراد 30 يوماً قبل نثرها على التراب حيث تروى دورياً فتنبت
الشجيرات الجديدة مما يفسح المجال لزرع أعداد كبيرة منها في أحواض معدّة لها توضع
ضمن مساحة محددة».
وقد نوّه الطالب في كلية العلوم "أحمد جليكو"
إلى أن البذور الجديدة اللتي نحصل عليها من الشجرة الأم قد لاتكون حاملة لذات الجينات
الأصيلة، والسبب في ذلك، هو انتشار أشجار التفاح المؤصل "المدجّن" التي
ربما تكون حبات طلعها انتقلت ألى أزهار ولقحتها، وهو ينصح من رغببالحصول على أشجار
جديدة بالزراعة من خلال العقل المقتطعة من الشجرة الأم
بالرغم من
أهمية هذه الطريقة، أو أية طريقة أخرى قد تساعد هذه الشجرة على البقاء، إلا أننا
نؤمن أن الحفاظ على البرية كما هي دون تدخل، والتوقف عن القطع والصيد هو أفضل سبيل
للحفاظ على بقائها، ونرجوا ممن يقرأ هذا المقال ويعثر على أشجار جديدة أن
يحافظ على هذه الشجرة ، ونحن نعلم أن من يقرأ لايقطع.