الجمعة، 12 يونيو 2020

بين الساحل والجبل، قفزة في الزمن


قد لانستطيع العودة إلى الجوراسي، لنشاهد الديناصورات ولكن الطبيعة أتاحت لنا التلاعب بالزمن "ولو على نطاق ضيق" من خلال تغيير المكان او كما يقول علم الفيزياء تغيير المسافة،
ففي حين تنضج الثمار على الساحل السوري باكراً، إلا انها تحتاج لوقت يزيد عن ذلك شهراً كاملاً على ارتفاع فوق 1000 متر عن سطح البحر. وبالرغم من أن هذه الحقيقة معروفة منذ زمن بعيد، ليس فقط في هذا المكان بل في أي مكان من العالم إلا ان التلاعب بالزمن يساعدنا على اختصار الوقت، أو تكرار المشهد متى أردنا.
Allancastria cerisyi
Allancastria cerisyi 
ففي حين ظهرت فراشة "الإكليل الشرقي"
Allancastria cerisyi في مطلع شباط على الجرف الصخر في أم الطيور شمال مدينة اللاذقية، وسجلنا آخر مشاهدة لها هذا العام على الساحل بتاريخ 27 آذار. ولكن في الجبال على ارتفاع يزيد عن 1000 متر كان المشهد مختلفاً، فهي لم تظهر هناك إلا مع بداية شهر نيسان، واستمر ظهورها حتى بداية حزيران.
هذا الإختلاف لاينطبق فقط على نوع محدد من الفراشات، بل هو سمة مميزة يلحظها من يتنقل بين الساحل والجبل بشكل عام
أوركيد اللسان Serapias orientalis ssp. levantina، نموذج آخر عن هذا الفارق في التوقيت فهو يزهر على الساحل في منتصف نيسان أما في صلنفة فكان ظهوره هذا العام في منتصف أيار.

Serapias orientalis ssp. levantina،
لكن هذا المشهد قد ينقلب تماماً في فصل الخريف، فمع اشتداد البرد على الجبل يُبقي الساحل لكائناته فرصة أطول للبقاء ويؤخر بذلك فرصة ظهور الأنواع الخريفية، ومنها زهرة السيدة العارية Colchicum hierosolymitanum التي تظهر في "صلنفة" في شهر أيلول، وتتأخر على الجرف الصخري المطل على البحر في "البدروسية" حتى كانون الأول.
 Colchicum hierosolymitanum
هذا الإختلاف الموضعي، لاينطبق فقط على هذه المنطقة بعينها، فإي تغيّر في المكان، سيرافقة بكل تأكيد تغير في الزمان، وقد يأخذ أشكالاً مختلفة، فشتاء شمال الكرة الأرضية يترافق مع الصيف في جنوبها، وفي حين ظهر الإنسان البدائي Homoerectus  في منطقة الليفانت بفترة تقرب المليون سنة، ألا أن وجوده في أميركا تأخر مئات آلاف السنين.
هذه الإختلافات التي كثيراً ما تشكل عائقاً في دراسة كائن ما، هي من ناحية اخرى لدى الباحثين ميزة يجب استثمارها. وهكذا تخضع الطبيعة لقوانين الفيزياء، من نيوتن وحتى أنشتاين ومن بعده.